الإمارات.. تحقيق عن خفايا “تجارة الجنس”

0
42
على متن قارب يبحر في مياه الخليج بالقرب من الأفق المتلألئ في دبي، تمايلت امرأة نيجيرية ترتدي فستانا أبيض وحليا ذهبية وأومأت برأسها بينما غنت المجموعة المصاحبة لها أغنية “عيد ميلاد سعيد”.

نشرت المقاطع المصورة لحفل عيد ميلاد كريستي غولد الخامس والأربعين في مايو من العام الماضي على حساب على إنستغرام مظهرة أسلوب حياتها المبهر، بعد شهور فقط من هروبها من نيجيريا، حيث تواجه اتهامات بالاتجار بالجنس.

كانت غولد، واسمها في سجلات المحاكم كريستيانا جيكوب أواديالي، زعيمة في شبكة إجرامية استدرجت نساء أفريقيات إلى دبي وأجبرتهن على ممارسة البغاء في بيوت الدعارة والشوارع الخلفية والحانات والفنادق ونوادي الرقص، وفقا لما يقوله 6 مسؤولين في مجال مكافحة تهريب البشر بالحكومة النيجيرية وناشط بريطاني في مجال حقوق الإنسان يقتفى أثر عملياتها، وخمس نساء قلن إنهن تعرضن للاتجار والاستغلال من غولد.

وقالت 3 ثلاث من هؤلاء النساء في مقابلات إن غولد هددتهن بالقتل وإلقاء جثثهن في الصحراء إن لم يفعلن ما يطلب منهن، بحسب ما أوردت “رويترز”.

ومن لم يستطعن جني المال الكافي لها نُقلن إلى غرفة في شقة في دبي، حيث قام شقيق غولد بتجويعهن وجلدهن ووضع معجون الفلفل الحار في أعضائهن التناسلية، بحسب ثلاثة مسؤولين في مكافحة الاتجار بالبشر وخمس نساء قدمن روايات مفصلة في المقابلات وبيانات المحكمة.

وقالت واحدة من النسوة “ضربوني بقسوة.. كانت المعاناة شديدة”.

ونفت غولد في بيان للمحكمة بعد توجيه الاتهام إليها أن تكون وشقيقها تاجري جنس. وقالت “أنا لست ضالعة في الاتجار بالبشر وليس لي فتيات في دبي يعملن عاهرات لحسابي”.

ولا تزال غولد هاربة من العدالة، ضمن ما يقول نشطاء ومسؤولون في مكافحة الاتجار بالبشر إنهم تجار جنس نيجيريون مشتبه بهم يمارسون نشاطهم في الخفاء وتزدهر أعمالهم وقد لجأوا إلى الإمارات، التي تقول جماعات حقوقية إن لها سجلا ضعيفا في حماية العمال الأجانب والحريات الأساسية.

وخلص تحقيق أجراه الاتحاد الدولي للمحققين الصحفيين، ورويترز، إلى أن الإمارات وجهة رئيسية للاتجار بالجنس، حيث تجبر شبكات غير قانونية تعمل داخل الدولة النساء الأفريقيات على ممارسة الدعارة.

ويفيد نشطاء مكافحة الاتجار بالبشر والسلطات النيجيرية والمقابلات مع النساء المُتاجَر بهن بأن السلطات الإماراتية لا تبذل جهدا يُذكر لحماية هؤلاء النسوة.

وتستند هذه القصة إلى مقابلات مع 25 امرأة أفريقية معظمهن من نيجيريا تحدثن عن إغراء غولد لهن، أو تجار بشر غيرها، بالذهاب إلى الإمارات. كما تستند إلى عشرات المقابلات مع العاملين في المجال الإنساني ومحققين ومسؤولين في الحكومة النيجيرية وآخرين على دراية بالاتجار بالجنس في الإمارات. ورواياتهم مدعومة بسجلات المحاكم وملفات القضايا لدى وكالة مكافحة الاتجار بالبشر في نيجيريا.

وتظهر التقارير أن تجار البشر يبقون النساء الأفريقيات رهن العبودية الجنسية من خلال استغلال حاجتهن الماسة للمال وحياكة شباك من التلاعب والقهر، مستخدمين التهديد والعنف. ويوقعونهن تحت طائلة ديون هائلة، تتراوح غالبا في المجمل بين 10 آلاف دولار و15 ألف دولار، وهي مبالغ كبيرة بالنسبة لهؤلاء النساء القادمات من أسر فقيرة.

وفي حالات كثيرة، يستغلون معتقدات روحية أفريقية تقليدية لجعل الضحايا يعتقدن أنه ما من خيار لديهن سوى القيام بما يطلبه المهربون.

وهذا التقرير الخاص جزء من تعاون في إعداد التقارير بقيادة (ترافيكنغ إنك)، وهو تحقيق تابع للاتحاد الدولي للمحققين الصحفيين ينظر في الاتجار بالجنس والاتجار بالعمالة في أنحاء كثيرة من العالم.

ويتضمن الشركاء الإعلاميون للاتحاد الدولي للمحققين الصحفيين في هذا المشروع رويترز وشبكة إن.بي.سي نيوز، وشبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج) بالإضافة إلى منافذ إخبارية أخرى في دول عديدة.

ولم ترد غولد على أسئلة من أجل هذا التقرير. وذكرت في بيانها للمحكمة في نيجيريا أنها ساعدت نساء ورجال نيجيريين على الانتقال إلى الإمارات من خلال تأجير جزء لهم من شقة تملكها في دبي.

وقالت “بل إن الأمر يصل بي لتقديم المشورة إليهم مثل أم حتى يتمكنوا أيضا من تحقيق النجاح في دبي”. لكنها استطردت قائلة للمحكمة “لا يمكنني قول ما فعله هؤلاء لكسب العيش في دبي”.

وفي رد مكتوب قدمه المكتب الإعلامي لحكومة دبي، قالت شرطة الإمارة إن مزاعم انخراط غولد في الاتجار بالجنس مستغلة نساء أفريقيات في دبي “كاذبة وليس لها أي أساس على الإطلاق في الواقع”.

وجاء في البيان أن غولد “دخلت إلى دبي وخرجت منها بشكل قانوني ولم تتورط في أي أنشطة غير قانونية”.

وقالت وزارة الخارجية الإماراتية إن أي إيحاء بأن الإمارات “تتسامح مع الاتجار بالبشر أو أنها لا تولي ضحايا هذه الجريمة النكراء اهتماما يذكر هو أمر خاطئ تماما”.

وأضافت الوزارة في ردها على أسئلة أن هذه المزاعم “كاذبة ولا أساس لها”.

وتابعت الوزارة قائلة إن القوانين الإماراتية المتعلقة بالاتجار بالجنس تنطوي على غرامات باهظة وعقوبات بالسجن.

وذكر تقرير كشفت عنه الوزارة أن الإمارات أحالت 20 “قضية اتجار بالبشر” إلى المحاكم في عام 2021، معظمها يتعلق “بالاستغلال الجنسي”.

كما قالت الوزارة إن الإمارات تشارك في عمليات الشرطة الدولية التي تستهدف شبكات التهريب.

ويقول نشطاء حقوق الإنسان والسلطات النيجيرية إن الإمارات لا تفي بالتزاماتها في مجال مكافحة الاتجار بالبشر.

وقالت فاطمة وزيري عزي، المديرة العامة للوكالة الوطنية النيجيرية لمنع الاتجار بالبشر، إنه “لم يكن هناك تعاون” عندما اتصلت الوكالة بالسلطات الإماراتية طلبا للمساعدة في مطاردة تجار البشر الذي يمارسون نشاطهم من الإمارات.

كما قال أنغوس توماس، وهو ناشط بريطاني أسس منظمة تثقيفية بمكافحة الاتجار بالبشر مقرها غانا، إن السلطات الإماراتية، لم تكن متعاونة عندما حثها على مساعدة الأفريقيات على الفرار من غولد وشركائها.

وأضاف “لقد كتبت لهم، واتصلت بالهاتف، وأرسلت رسائل بالبريد الإلكتروني، أطلب منهم مساعدتي في إبعاد الفتيات، وارسلت عناوين شقق.. ولم يأتني رد”.

على مرأى من الجميع

الاتجار بالجنس هو أحد أشكال الاتجار بالبشر، والذي يُعرف بشكل عام بأنه استخدام القوة أو الاحتيال أو الإكراه لحث شخص ما على تقديم خدمة.

وقالت معظم النساء اللاتي تم إجراء مقابلات معهن من أجل هذه القصة، وعددهم 25 امرأة، إنهن تلقين وعودا بمنحهن أنواعا أخرى من العمل لكنهن أُجبرن على ممارسة الدعارة.

وقالت أخريات إنهن اخترن العمل بالجنس لكنهن وجدن أنفسهم محاصرات في مواقف تعرضن فيها لسوء المعاملة وسُرقت أرباحهن ولم يكن بوسعهن الهرب.

وجرمت دولة الإمارات الاتجار بالجنس عام 2006 وأنشأت لجنة مشتركة بين الوكالات لمكافحته وفتحت أماكن لإيواء الناجيات.

وقالت وزارة الخارجية الأميركية عام 2022 إن الدولة الخليجية بذلت “جهودا كبيرة” لمكافحة الاتجار بالبشر لكنها لا تزال مقصرة في مجالات رئيسية مثل عدم “إجراء فحص مستمر للفئات السكانية المعرضة للخطر بحثا عن مؤشرات على الاتجار.. وربما تكون قد عاقبت بعض الضحايا بسبب أفعال غير قانونية أجبرهم عليها المتاجرون بالبشر مثل انتهاكات الهجرة أو ’الدعارة’”.

وتتبع الإمارات الشريعة الإسلامية ولكن الدعارة والاتجار بالجنس سر لا يخفى على أحد. فبطاقات العمل الخاصة ببيوت الدعارة المعدة كبطاقات لصالونات تدليك والمزودة بصور وأرقام للتواصل عبر تطبيق واتساب تنتشر في العديد من المناطق بدبي. وتمتلئ المنتجعات الصحية ونوادي الرقص والحانات بالمشتغلين بالجنس.

وتلعب منظومة أساسها لون البشرة دورا مهما في صناعة الجنس بالإمارات، وذلك بحسب المقابلات التي أجريت مع الضحايا وزيارات إلى أماكن تجمع البغايا في البلاد. وعادة ما يتم الاتجار بالأوروبيات صاحبات البشرة الفاتحة في أماكن راقية تخدم العملاء الأكثر ثراء.

أما ذوات البشرة الداكنة فيتم توجيههن غالبا إلى الأزقة وزوايا الشوارع، حيث يقدمن خدماتهن في ممارسة الجنس للعمال المهاجرين أصحاب الدخل المنخفض الوافدين من جنوب آسيا وأفريقيا.

ووصفت امرأة نيجيرية كيف أخذها أحد التجار إلى ماخور في الهواء الطلق بالصحراء بين دبي وأبوظبي. قالت إنها ونساء أخريات كن يخلعن ملابسهن وينشرنها على الأرض، ويأتي الرجال لممارسة الجنس معهن من الخامسة مساء حتى 11 مساء.

وقالت أم نيجيرية في العشرينيات من عمرها إن أحد التجار قادها وامرأتين أخريين إلى مرأب للسيارات في إمارة عجمان وأجبرهن على ممارسة الجنس مع زبائن وسط سيارات يتم طلاؤها وإصلاحها. وأضافت أن تجار الجنس أخذوا كل المال في نهاية الليلة، ولم يتركوا لهن شيئا لشراء الطعام.

وقالت المرأة إنها اضطرت للنوم في الشوارع والتوسل للحصول على الطعام بعد أن تحررت من ذلك التاجر. وأضافت أنها كادت تفقد عقلها قبل أن تنقذها ممرضة من نيجيريا وتساعدها في العودة إلى الوطن.

تتشكل صناعة الجنس في الإمارات من خلال التركيبة السكانية والاقتصاد الفريدين بالدولة، إذ أن ما يقرب من 90 بالمئة من السكان جاؤوا من أماكن أخرى، ومعظمهم أجانب يعملون في البناء والضيافة وغيرها من المجالات.

وأغلب هؤلاء رجال يصلون بمفردهم. ونتيجة لذلك، فإن 69 بالمئة من سكان الإمارات من الذكور.

غولد وميرسي

في ليلة رأس السنة الجديدة 2019، كان لدى المصور والناشط في مكافحة الاتجار بالبشر توماس يوم واحد سيقضيه في الإمارات قبل أن يتجه إلى لندن. وكان في طريقه إلى أحد متاجر السوبر ماركت في دبي عندما اقتربت منه امرأة نيجيرية تبلغ من العمر 19 عاما وعرضت عليه ممارسة الجنس.

ورفض توماس لكنه سألها عما إذا كانت تريد العودة إلى وطنها.

وقال إنها أخبرته أنها و22 امرأة أخرى تسيطر عليهم تاجرة جنس تدعى كريستي غولد. وعندما عاد إلى لندن، أرسل لها المال لاستئجار مسكن آمن ثم رتب لها رحلة العودة إلى نيجيريا.

وأضاف توماس إنه بدأ يحاول إنقاذ نساء أخريات عالقات في دبي. وأطلق حملة تسمى (سيند ذيم هوم) أو “إعادتهن إلى الوطن”، وراح يجمع المال لتغطية تكاليف هروب الضحايا وسفرهن.

وذكر توماس أنه ساعد خلال عدة أشهر في إنقاذ ثماني نساء أخريات قلن إن غولد أو تجار آخرين يعملون في الإمارات كانوا يحتجزونهن ضد إرادتهن. وأكد مسؤولون نيجيريون في مكافحة الإتجار بالبشر رواية توماس وكذلك النساء اللاتي ساعدهن على الهرب.

كما قدم المعلومات التي جمعها عن غولد للوكالة الوطنية النيجيرية لمنع الاتجار بالبشر، التي تمتلك سلطة اعتقال ومقاضاة التجار. وتضمنت جهوده تتبع حساب غولد على إنستغرام، حيث تضع مئات المنشورات التي تعرض حليا متدلية ذهبية على شكل أسد ومجوهرات أخرى تبيعها من خلال نشاط لتجارة الذهب تديره من دبي.

وكتب توماس في بريد إلكتروني أرسله في مايو 2022 إلى وزيري عزي، مديرة الوكالة النيجيرية لمنع الاتجار بالبشر، أن غولد كانت “تتباهى بثروتها التي كونتها على أكتاف” شابات “تهربهن إلى دبي”.

ولا يُعرف سوى القليل عن خلفية غولد. وقالت في بيانها المكتوب للمحكمة النيجيرية إنها سافرت إلى دبي عام 2009 ثم بدأت في التنقل ذهابا وإيابا لشراء الذهب والأحذية وحقائب اليد في الإمارات وبيعها في نيجيريا.

ووفقا لشهادات الضحايا بالمحكمة والمقابلات معهن، استهدفت غولد وشركاؤها النساء النيجيريات الراغبات بشدة في العمل وبدء حياة جديدة، ووعدوهن بوظائف في صالونات تصفيف الشعر والمطاعم وغيرها من الأنشطة في مجال التجزئة بدبي.

وساعدهن شركاء غولد في الحصول على جوازات سفر نيجيرية وتأشيرات سياحية للسفر إلى الإمارات.

وجاء وصف عملياتها من خمس نساء قلن إن غولد تاجرت بهن. وأجريت مقابلات مفصلة مع ثلاث منهن. وقدمت اثنتان من الثلاث اللاتي أجريت مقابلات معهن من أجل هذه القصة، مع امرأتين أخريين، إفادات شهود في قضية غولد الجنائية.

وقالت كل من النساء الثلاث إنه تم الاتجار بهن بعد أن اتصلت بهن ميرسي إويري أووزو، التي عملت مع غولد وكانت مهمتها توظيف النساء.

وقالت إحداهن إنها كانت تعمل في متجر في لاغوس، أكبر مدن نيجيريا، في يوليو 2019 عندما أخبرتها أووزو أن بوسعها جني مبالغ أكبر بكثير من العمل مندوبة مبيعات في متجر في دبي.

وتتذكر المرأة البالغة من العمر 25 عاما ما حدث قائلة “لم أطرح أي أسئلة لأنها أخبرتني أنها تحاول مساعدة الشابات وتصورت ’أنها شخص لطيف‘”.

وأضافت أن أووزو دفعت ثمن جواز سفرها وتذكرة الطائرة وتأشيرة السفر للسياحة إلى الإمارات.

وروت أنها بعد وصولها إلى دبي، تحدثت عبر الهاتف إلى أووزو، التي أخبرتها أنه لا يوجد عمل لها في متجر.

وبدلا من ذلك، ستذهب إلى النوادي والمطاعم والفنادق لبيع جسدها. وقالت إنها كانت الطريقة الوحيدة لسداد ديون بقيمة 12 ألف دولار كانت مدينة بها لغولد لإحضارها إلى الإمارات.

وذكرت النساء الثلاث أن غولد كانت تسيطر عليهن أيضا بالاستيلاء على جوازات سفرهن. وقلن إنها صنعت لهن بعد ذلك جوازات سفر مزورة تبدو حقيقية بدرجة كافية للمرور من نقاط الشرطة الروتينية أو تجاوز مكاتب الاستقبال في الفنادق، ولكن ليس لإخراجهم من البلاد.

ولا توضح روايات الشاهدات ووثائق المحكمة ما إذا كانت غولد هي أعلى زعيمة لشبكة الاتجار المزعومة.

وقالت النساء الثلاث اللاتي تمت مقابلتهن من أجل هذه القصة إنها كانت تتمتع بمستوى كبير من السلطة، وكانت منخرطة بشدة في عمليات الشبكة، وهددت بنفسها، على سبيل المثال، بترك جثثهن في الصحراء العربية إذا لم يمتثلن لمطالبها.

وقالت إحدى النساء الثلاث، التي ذكرت أنها كانت تعمل مصففة شعر في نيجيريا قبل وعد أووزو بوظيفة أعلى دخلا في دبي، “في كل مرة لا نحضر فيها نقودا، كانوا يضربوننا، ويضعون الفلفل في أعضائنا التناسلية… وفي أعيننا” .

وتابعت “كثيرات منا أصبن بجروح، لكن لم يتم نقلنا إلى المستشفيات لأنهم لا يريدون أن يعرف الناس ماذا يفعلون بنا”.

قضت النساء الثلاث وقتا في الشقة التي تديرها غولد والتي تضم غرفتي نوم في دبي. وقلن إنه في مرحلة ما، كانت غولد تشغل غرفة نوم منهما، بينما حشرت ما يصل إلى 18 امرأة في الأخرى، وكان معظمهن ينمن على بطانيات على الأرض.

ووفقا للنساء اللاتي أجريت معهن المقابلات وبيانات المحكمة، تم إرسال النساء المستحقات للعقاب إلى الشقة حيث اعتدى عليهن سليمان، شقيق غولد، جنسيا وضرب أجسادهن التي أنهكها سوء التغذية بخرطوم النرجيلة (الشيشة) أو عصا المكنسة أو غيرها من الأدوات.

وقال مسؤولو الوكالة النيجيرية لمنع الاتجار بالبشر إن سليمان لم توجه إليه أي تهمة بارتكاب جريمة. وقالت غولد في بيانها للمحكمة إنها لم تأمر سليمان قط بإيذاء أي ممن مكثن في شقتها في دبي.

وأضافت “لم أطلب منه قط في أي وقت أن يضرب أيا من الفتيات إذ لم يكن لدي سبب لضرب أي منهن”.

ولم يتمكن الاتحاد الدولي للمحققين الصحفيين ووكالة رويترز من الاتصال بسليمان.

وأكدت فيكتوريا أبورو، أحد كبار المدعين العامين في الوكالة الوطنية لمنع الاتجار بالبشر في نيجيريا، أن غولد وأووزو كانتا تعملان معا. وفي مايو من العام الماضي، تمكنت الوكالة من الفوز بإدانة أووزو بتهم الاتجار بالجنس في محكمة اتحادية في ولاية دلتا النيجيرية.

وقالت أبورو إن القضية وأخرى مرفوعة على غولد ولم يُبت فيها بعد.

وأحجم محام مثل أووزو خلال محاكمتها عن التعليق.

بدأت الوكالة النيجيرية لمنع الاتجار بالبشر التحقيق مع غولد بعد أن قدمت إحدى ضحاياها بلاغا للشرطة المحلية. ووجهت السلطات ست تهم لغولد بانتهاك القانون النيجيري لمكافحة الاتجار بالجنس.

وبعد أن أفرج عنها القاضي بكفالة، لم تحضر في موعد مثولها أمام المحكمة في الثالث من نوفمبر 2021. وقال محاميها للقاضي إن غولد “عثر عليها بين الحياة والموت على فراش” ونُقلت إلى المستشفى.

وأمر القاضي بإعادة غولد إلى الحبس. لكن المسؤولين في الوكالة النيجيرية لمنع الاتجار بالبشر يقولون إن السلطات لم يحالفها الحظ في تعقبها.

لقد اختفت كريستي غولد.

“ضعني في السجن”

انطلق صوت أذان العشاء من مكبرات الصوت بمسجد في البراحة، وهو حي تقطنه الطبقة العاملة في منطقة ديرة المكتظة بالسكان في دبي، بينما زارها أحد المراسلين في أغسطس الماضي.

وعلى بعد خطوات، تصطف شابات يضعن الشعر المستعار الملون ويرتدين فساتين بفتحات واسعة عند الصدر أمام أبنية متهالكة من أجل عملهن اليومي: ممارسة الجنس. وفي الطابقين الرابع والخامس بأحد المباني، جلس رجال من جنوب آسيا على السلم، ينظرون في هواتفهم، ويحتسون البيرة وينتظرون دورهم.

ومن بين النساء العاملات في الجنس شابة وصلت من غانا في يونيو 2022. وقالت إنها حصلت على وعد بالعمل خادمة لكنها وجدت نفسها تقوم بعمل مختلف تماما.

ورفعت فستانها لتظهر الكدمات التي أصيبت بها في عملها، وفق ما نقلت “رويترز”.

وقالت “قبل أيام قليلة، تورمت عيناي بعد أن ضُربت على وجهي وصُفعت عندما فشلت في تحقيق الهدف.. رئيسي هو من فعل بي هذا”.

وأضافت أنه قال لها إنها إذا أرادت نيل حريتها، فعليها سداد دين يقارب 10 آلاف دولار.

وسألت وهي تبكي “إلى أين أذهب؟ ماذا أفعل؟”. وقالت إن ذلك المتاجر في الجنس، الذي لم تذكر اسمه، سلب منها هاتفها وجواز سفرها.

وهناك طريقة أخرى يسيطر بها تجار الجنس ومرؤوسوهم على النساء الأفريقيات وهي استخدام قوة الجوجو، وهو نظام اعتقاد روحي أفريقي تقليدي.

يُطلب من النساء المستهدفات بالاتجار بالجنس أداء “قسم جوجو”، وهو قسم مغلظ بتنفيذ تعليمات المشغلين الذين وعدوا بمساعدتهن في العثور على عمل في الخارج. وخلال مراسم القسم، يُطلب منهن خلع ملابسهم والركوع لساعات وابتلاع مشروبات مضرة يمكن أن تصبهن بالدوار.

ويتم تحذيرهن من أن نقض عهود الطاعة قد يؤدي لإصابتهن بلعنة قد تسبب لهن إصابات أو الموت، أو حتى سوء الحظ لعائلاتهم.

وقالت معظم النساء اللاتي أجريت معهن المقابلات من أجل هذه القصة إنه طُلب منهن أداء قسم جوجو، مع إجراء بعض مراسمه في نيجيريا وأخرى بعد وصولهن إلى الإمارات.

وقالت ثلاث نساء في شهاداتهن بقضية غولد الجنائية إن شركاء غولد طلبوا منهن أداء مراسم القسم في نيجيريا قبل سفرهن إلى دبي.

وذكرت امرأة تقول إنها ضحية لغولد في مقابلة “إنها تجعلنا نعتقد أن لديها جوجو… هذا كل ما في الأمر، إذا هربنا، يمكن أن نصاب بالجنون أو نموت”.

ونفت غولد في بيانها أمام المحكمة تنظيم هذه المراسم.

وعندما تتحدى النساء التهديدات بالعنف والعواقب الأخرى الروحانية لمحاولة الهرب من تجار الجنس، يقلن إن السلطات الإماراتية لا تقدم لهم إلا القليل من العون في أغلب الأحيان.

وقالت شابة أوغندية تبلغ من العمر 25 عاما إنها بعد أن فرت من بيت دعارة في منطقة ديرة في دبي حيث أُجبرت على العمل، توجهت إلى أقرب مركز شرطة. واضافت أن شرطيا أعادها إلى بيت الدعارة وتفاوض مع تاجر البشر لإعادة جواز سفرها إليها.

ومضت قائلة إن الشرطي غادر دون أن يفعل أي شيء آخر، وأخذ التاجر جواز السفر مرة أخرى، بحسب ما نقلت “رويترز”.

وقالت إنها تمكنت من الهرب نهائيا فقط بعد أن تواصلت مع نيوندو روزيت، وهي أوغندية تبث المقاطع على يوتيوب وتقيم في الإمارات. ونشرت روزيت مقطع فيديو عن محنتها، مما أدى إلى جمع الأموال لشراء تذكرة طائرة لتعود إلى الوطن.

وذكرت روزيت، التي تروج مقاطع الفيديو التي تنشرها بالأساس للجالية الأوغندية بالإمارات، في مقابلة أن امرأة اتصلت بها قائلة إنها المتاجرة بالجنس، وعرضت عليها المال لحذف الفيديو. وقالت روزيت إنها عندما رفضت، اتصل بها أشخاص آخرون هددوا بإيذائها إذا لم تحذف المقطع، وقالوا لها “لن تنجي بحياتك”.

ولم ترد شرطة دبي على الأسئلة المتعلقة بالواقعة.

وقالت امرأة تبلغ من العمر 23 عاما من حزام المزارع في شمال شرق نيجيريا إنها كانت تعتقد أن الشرطة ستساعدها بعد أن هربت من بيت دعارة في أبوظبي حيث تم حبسها هي وست نساء أخريات في غرفة مليئة بأسرة فولاذية تفصل بينها ستائر. وفي كل ليلة، كان عليها أن تمارس الجنس مع حوالي ستة رجال.

وكانت قد فرت عندما ثمل رئيسها وترك المفتاح في الباب. وقالت إنها عندما دخلت مركز شرطة في منطقة الخالدية بأبوظبي، قال لها شرطي “اذهبي إلى حيث أتيت”.

وأضافت أنها توسلت له قائلة “ضعني في السجن!” لكنهم “أداروا ظهورهم لي. كنت أبكي، لكنهم لم يبالوا. قالوا ’إلى الجحيم مع أفريقيا’”.

ولم يرد مركز الشرطة بالخالدية على طلب للتعليق.

طلب ترحيل

منذ سنوات تسعى أعداد كبيرة من المهاجرين من نيجيريا ودول أفريقية أخرى إلى وظائف وحياة جديدة في أوروبا. لكن تغيرت مسارات الهجرة مع إعادة الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي المهاجرين إلى ليبيا، نقطة العبور الرئيسية عبر البحر المتوسط إلى القارة. ومع تزايد غلق الطرق إلى أوروبا، تحول المهاجرون الأفارقة، بأعداد متزايدة، إلى الإمارات وغيرها من الدول العربية الغنية.

وقالت أبورو، المدعية العامة في الوكالة النيجيرية لمنع الاتجار بالبشر، إنه عندما تكون لقضايا الاتجار صلة بأوروبا، فإن الحكومات هناك تقدم المعلومات والتعاون الذي يساعد الوكالة في القبض على تجار البشر ومقاضاتهم. لكن عندما يتعلق الأمر بالإمارات، فإن التعاون الرسمي غير موجود، حسبما قال محققون نيجيريون في مكافحة الاتجار بالبشر.

وفي الوطن، تعمل الوكالة في بيئة اتُهم فيها بعض المسؤولين الحكوميين أيضا بالضلوع في الاتجار بالبشر، وحيث يقول مسؤولو الوكالة إن التجار المدانين غالبا ما يتجنبون السجن.

ولم ترد الحكومة النيجيرية على طلب للتعليق.

وفي مايو 2022، قضت محكمة نيجيرية على ميرسي أووزو مساعدة غولد بالسجن خمس سنوات. ومع ذلك، سمحت لها المحكمة بتجنب السجن بدفع غرامة قدرها خمسة آلاف دولار بدلا من ذلك. ووزعت الأموال لتعويض الضحايا في قضيتها، بحسب أبورو.

أما كريستي غولد فتحاكم غيابيا بينما تواصل السلطات النيجيرية مطالبة دبي باعتقالها وتسليمها، بحسب المسؤول القانوني في الوكالة الوطنية لمنع الاتجار بالبشر حسن طاهر.

ونشرت غولد صورا لها في دبي على إنستغرام في فبراير ومارس، لكن من غير الواضح متى التُقطت تلك الصور. ولا يزال حسابها على إنستغرام يروّج للحلي التي تبيعها لعملاء شركتها (إمبراطورية كريستي غولد للحلي) في نيجيريا.

وفي أحد مقاطع الفيديو، تعرض امرأة من المفترض أنها عميلة للشركة أقراطا لامعة وخاتما سميكا وتقول “كريستي غولد، كريستي غولد… مختبرة وموثوق بها… ألا يمكنك أن تري كيف تجعلينني بخير؟”.