د. بلة لحبيب أبريكة
تلقت الجزائر دعوة رسمية من قبل الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز لحضور القمة العربية الثانية والثلاثون المزمع عقدها في الرياض في 19 ماي/أيار من الشهر الجاري.
وكان وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان حل بالجزائر منتصف هذا الأسبوع، وحظى باستقبال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون. ويرجح أن تندرج زياراته في إطار ما يعتقد أنه تبديد سوء الفهم الحاصل مما وصف باستياء جزائري من عدم دعوتها لحضور إجتماع جدة منتصف الشهر الماضي حول سوريا، والذي ضم دول مجلس التعاون الخليجى، إضافة إلى مصر والعراق والأردن. وتعد هذه الزيارة الثانية لمسؤول سعودي رفيع إلى الجزائر في غضون أسبوع، سبقتها زيارة قام بها رئيس مجلس الشورى السعودي عبد الله بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ.
ونقلت بعض الأوساط أن مآخذ الجزائر على الرياض تفسره عودة السفير الجزائري من الرياض يوم إنعقاد الإجتماع حول سوريا، و تغيب وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف عن الإجتماع الوزاري العربي بمصر، الذي أعلن فيه رسمياً عودة سوريا إلى الجامعة العربية.
وإذا كان يحسب للملكة العربية السعودية تمكنها من تليين مواقف الدول العربية الرافضة لعودة سوريا، و تذليل العقبات التي كانت تحول دون عقد قمة عربية مكتملة، فإن الجزائر كان لها الفضل الكبير في تمهيد الطريق لذلك. وتدرك المملكة السعودية أن القمة العربية المزم انعقادها في الرياض، ما كان لها أن تحمل قيمة مضافة دون عودة سوريا.
جدير بالذكر أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان غاب عن القمة العربية التي عقدت في الجزائر العام الماضي، لدواعي وصفت حينها بالصحية. وثمة من يعزي الغياب إلى عدم نضج الظرفية التي كان من شأنها أن تتيح التوافق بشان العديد من الملفات الإقليمية خاصة التباين بشأن الملف السوري وإيران وعملية التطبيع مع إسرائيل. وهناك من يميل إلى الإعتقاد أن الأمر مرتبط بالمكانة والدور التي باتت تلعبها الجزائر داخل الساحة العربية.
استعادت الجزائر زخمها الدبلوماسي، ولعب أدوار إقليمية هامة على غرار الوساطة بين مصر واثيوبيا والسودان في ملف سد النهضة، والتصدي لقبول إسرائيل مراقب داخل الإتحاد الافريقي، وتحقيق مصالحة للفصائل الفلسطينية في الجزائر، ومحاولة بعث الروح في العمل العربي المشترك من خلال إستضافة القمة العربية العام الماضي التي كانت متعطلة لسنوات، والحرص على عودة سوريا الى البيت العربي، تثير حفيظة بعض العواصم العربية، وحتى الغربية. و ترى المملكة السعودية، نظراً إلى مكانتها السياسية والاقتصادية، أنها أولى بأن تكون صاحبة المبادرات، ورائدة العالم العربي والإسلامي.
تصنف الجزائر من بعض الأوساط في صف دول الممانعة؛ إذ تتميز باستقلال قراراتها الخارجية، ومواقفها المبدئية تجاه القضايا الأقليمية والدولية، التي لا تقبل إملاءات خارجية. ويرى العديد من المراقبين أن رؤية الجزائر تختلف مع الرياض في العديد من القضايا من بينها اعتراضها على تصنيف حزب الله اللبناني أو جماعة الإخوان المسلمين منظمتين إرهابيتين، ورفضها المشاركة في حرب اليمن أو حصار قطر أو الأزمة السورية. كما أن العلاقة الحسنة بين الجزائر وإيران ظلت تثير بعض التوجس لدى أطراف خليجية من بينها السعودية.
من الواضح أن الجزائر لم تعطي لغياب ولي العهد السعودي عن القمة العربية الماضية أية تأويلات أو تفسيرات يمكن أن تسئ للعلاقة بين البلدين، بل إن العلاقات الجزائرية السعودية توطدت لاحقاً، و إستمرت الزيارات الثنائية والاتصالات بين البلدين. وقد أثمر التقارب الحاصل بينهما إنشاء المجلس الأعلى للتنسيق السعودي الجزائري. و ظلت تصريحات المسؤولين من كلا البلدين دافئة، كان آخرها من الجانب الجزائري المقابلة التي خص بها الرئيس عبد المجيد تبون قناة الجزيرة، إذ قال إن السعودية كان لها الفضل في المساهمة في استقلال الجزائر، وأنها “مستهدفة” ولن تسمح الجزائر “المساس بها”.
ومنذ القمة العربية في الجزائر، جرت تطورات كبيرة على المستويين الإقليمي والدولي، من أهمها الحرب في اوكرانيا، التي اعادت شبح الحرب الباردة بين القوى العظمى، وسياسة الاصطفافات الدولية. كما حدث تقارب سعودي-إيراني برعاية صينية مهد الطريق لمعالجة أزمات أخرى في المنطقة، إضافة إلى توجهات الرياض الجديدة تجاه روسيا والصين على حساب الولايات المتحدة الأمريكية، و تقديم الجزائر والسعودية طلب الإنضمام إلى تكتل البريكس.
هذه التوجهات الناشئة ساعدت في تجسير ما كان يوصف بالهوة التي كان يرى البعض أنها سائدة بين السعودية والجزائر في العديد من القضايا الإقليمية المرتبطة بتحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي. ولا يخفى أن مشاريع بن سلمان الإقتصادية والتحديثية التي ينشدها في المملكة من جهة، و من جهة أخرى الجزائر المحاطة بالتوترات في ليبيا ومالي وحرب الصحراء الغربية، ورغبة البلدين في الإنضمام إلى تكتل البريكس، تحتاج إلى تفاهم مشترك في بيئة بحاجة إلى الأمن والاستقرار.
وإذا كانت الأنباء المتداولة من أن الجزائر مستاءة من السعودية لعدم دعوتها إلى إجتماع الرياض بشأن عودة سوريا، فإن توجهات الرياض الجديدة، و مجريات الأمور في المنطقة العربية، تكاد تقترب من رؤية الجزائر. والدليل على ذلك عودة سوريا إلى الحضن العربي و التقارب السعودي الإيراني.
في خضم هذه التطورات، يتساءل المراقبين ما إذا كان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية للجامعة العربية، سيتغيب عن القمة العربية في الرياض عملا بالمثل ؟
تبرز مستوى العلاقات الذي وصلت إليه الرياض والجزائر، والمنحى التصاعدي التي باتت تتخذه، سواء على مستوى التنسيق الأمني، أو بخصوص الملفات الاقليمية، أو في مجال الطاقة، أن الرئيس الجزائري قد لا يتغيب عن القمة.
تدرك الجزائر أن ثمة أطراف في المنطقة، على غرار المغرب، متوجسة من هذا التقارب، ولا تريد له أن يتعزز. وقد حرصت الرباط في العديد من المرات على تسميم العلاقات بين البلدين باللعب على وتر العلاقات الوطيدة بين الجزائر وإيران أو ربطها بحزب الله، أو محاولة إقحام السعودية في وساطة لا ترغب فيها الجزائر. كما تعمل الرباط على توتر الأجواء بين الرياض والجزائر قبيل قمة الشراكة الإستراتيجية بين الإتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية المرتقبة في الرياض، و التي ستكون الجمهورية الصحراوية حاضرة فيها بصفتها عضوء في الإتحاد الإفريقي.
يبقى غياب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عن القمة العربية في الرياض قائم. وسنرى، إذا ما حدث ذلك، إن كانت الرياض ستتقبله بصدر رحب، مثلما فعلت الجزائر، عندما لم يحضر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان القمة العربية التي استضافتها في الفاتح نوفمبر من العام الماضي.
باحث في تسوية النزاعات الدولية جامعة مينونايت الشرقية، فرجينيا.
المصدر: رياليوم